وقوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ يعني التي هي مأواهُم، لا يَبْغُون عنها حِوَلًا ولا يتَحَوَّلون عنها، فهي مأوًى، كما أنَّ الجحيمَ مأوى الكافرينَ لا يَتَحَوَّلون عنها، فالمأوى مكان الإيواءِ؛ أي إنَّها هي الجناتُ التي يَأْوُونَ إليها ولا يَخْرُجون منها.
وقوله تعالى: ﴿نُزُلًا﴾ يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [هو ما يُعَدُّ للضَّيْفِ] وعلى هذا فهي تكونُ مَصْدرًا في مَوْضِعِ الحال، يعني أنه يُعَدُّ لهم هذا النُّزُلُ.
وقوله تعالى: ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الباءُ هنا سَبَبِيَّة.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ المؤْمِنَ لا يساوي الكافِرَ لا في عَمَلِه ولا في جزائِهِ؛ أمَّا العَمَلُ فظاهرٌ، هذا مؤمنٌ وهذا فاسقٌ، وأما الجزاءُ فبيَّنَ الله الفَرْقَ بِقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ وأولئكَ مأواهم النَّارُ، وفَرْقٌ بَيْن هذا وهذا.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الإيمانَ لا يَتِمُّ إلا بالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لقوله تعالى: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فلا يكفي مُجَرَّدُ العقيدةِ، بل لا بدَّ من عَمَلٍ صالحٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ الجَنَّة؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ وهي موجودَةٌ الآن؛ لقوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وهي فِعْلٌ ماضٍ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: طِيبُ منازِلِ الجَنَّةِ ومَقَرِّها؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ يعني: الجنَّات التي لا يتمنَّى الإنسان إلا أنْ يَأْوِيَ إليها، وكلُّ أَحَدٍ يتمنَّى هذا المأوى لكن لا ينالُهُ ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ أَهْل الجَنَّة يُكْرَمُون بما يُنَعَّمون به كما يُكْرَمُ الضَّيْفُ بضيافته؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿نُزُلًا﴾ وتعلمون ما يُجْلَبُ للضَّيفِ من السُّرورِ في نَفْسِه