ما روي عن معاذ أن رسول الله ﷺ قال له حين بعثه إلى اليمن: ((خذ من كل حالم دينار أو عدله من المعافر)) وذهب القاضي أبو الحسن إلى أن حد أكثرها ما فرض عمر رضي الله تعالى عنه ولا حد لأقلها. والمشهور عن مالك أن حد أكثرها ما فرض عمر لا يزيد عليه ولا ينقص منه، وفرض عمر في هذين القولين هو ما ذكرنا عن عمر أولًا. إلا أن مالكًا رأى أن توضع عنهم الضيافة إذا لم يرفى بهم العهد على وجهه. وذكر بعضهم أيضًا عن مالك -وهو قول غير الأكثر- أنه لا يتقدر أكثرها ولا أقلها وأنها موكولة إلى الاجتهاد في الطرفين. وقال الثوري: اختلفت الروايات في هذا عن عمر، فللوالي أن يأخذ أيها شاء إذا كانوا ذمة. والأظهر في هذه الأقوال كلها أيضًا أن هذا على الاجتهاد فما رأى الإمام أن يلزمهم على وجه الاجتهاد والصلاح لزمهم، وهو الظاهر على لفظ الآية إن جعلنا الجزية فيها عامة للجزيتين. وقد اختلف في الجزية هل هي عوض عن حقن الدماء أو عوذ عن المسكن والفرار. فلأصحاب مالك قولان، والأظهر من لفظ الآية أنها عوض عن حقن الدماء لأنه تعالى أمر بكف القتل عند إعطاء الجزية، والقتال فيه إراقة الدم. وبالجزية يدفع ذلك فكأنهم بالجزية حقنوا دماءهم فهي إذن عوض عن حقن الدم. وقد اختلف في الشيخ الفاني هل تؤخذ منه الجزية أم لا؟ فذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس عليه جزية لأنه محقون الدم بنهيه عليه الصلاة والسلام عن قتل الشيوخ، والجزية إنما تؤخذ ممن يحقن دمه. وفي المذهب أن الجزية تؤخذ منه. فعلى القول بأن الجزية عوض على المسكن خاصة فلا اعتراض فيه. وأما على القول بأنها عوض عن حقن الدم فلا يثبت في حق الشيوخ إلا بالسنة لأمره عليه الصلاة والسلام بقبول الجزية ولم يخص. فأم النساء والصبيان والمجانين فلا جزية عليهم، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ فإنما أراد أن يعطي الجزية هنا من هو من أهل القتال فأما من ليس من أهل القتال فلا.