على مذهب أهل السنة الذين لا يرون إنفاذ الوعيد واجبًا، إذ المراد بالآية عصاة المؤمنين إذا شاء الله أن ينفذ وعيده فيهم. وأما على قول المعتزلة الذين يرون إنفاذ الوعيد فيكون العصاة مخلدين في النار، تعالى الله عز وجل عن ذلك. وأما على قول الخوارج المكفرين بالذنوب فحالهم في ذلك حال الكفار، تعالى الله سبحانه عن ذلك. وكلهم يتأول الآية على مذهبه، والصحيح ما ذكرنا. وأما على قول المرجئة فيرون الآية في الكفار لأن من قال: لا إله إلا الله، لا يدخل عندهم النار.
(٥٨) - قوله تعالى: ﴿إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًا﴾:
اختلف المفسرون هل هذا في الصلاة أم لا؟ فقال الحسن إنه في الصلاة وقيل في غير الصلاة. واختلف هؤلاء في المراد بآيات الرحمن. فقال الأصم: المراد بآيات الرحمن كتبه المتضمنة لتوحيده وحججه، وأنهم كانوا يسجدون عند تلاوتها ويبكون عند ذكرها. وروي عن ابن عباس أن المراد بها القرآن خاصة وأنهم يسجدون ويبكون عند تلاوته. ففي قوله هذا دلالة على أن القرآن هو الذي كان يتلى على جميع الأنبياء، ولو كان كذلك لما كان رسول الله ﷺ مختصًا بإنزاله عليه. واحتج الرازي بهذه الآية على وجوب سجود القرآن على المستمع والقارئ. قال أبو الحسن: وهذا بعيد لأن هذا الوصف شامل لكل آية من آيات الله تعالى وهي طريقة الأنبياء من تعظيم الله تعالى وتعظيم آياته فلا دلالة فيه على وجوب ذلك عند سماع آيات مخصوصة. وإذا قلنا إن الآية معناها في الصلة ففيها دلالة على وجوب السجود في الصلاة وجواز البكاء فيها وأنه لا يفسد الصلاة، فتدبره.