ذهبوا إلى هذا اختلفوا فقال سعيد بن المسيب إن هذا حكم كان في الزناة عامًا أن لا يتزوج زان إلا زانية ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في هذه السورة: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ [النور: ٣٢] فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وقال مجاهد فيما ذكره أبو عبيد إن هذا الحكم إنما كان في نفر مخصوصين كانوا يزنون ببغايا الجاهلية، فلما أسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا تزوج أولئك النسوة إذ كانوا من عاداتهن الإنفاق على من يتزوجهن، فنزلت الآية بسببهن فحرمت على أولئك النفر نكاح غيرهم من المؤمنين ثم نسخت بقوله تعالى: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾. قال أبو الحسم: دليل النسخ أنه جوز للزاني أن ينكح المشركة وللمشرك أن ينكح الزانية وذلك غير جائز فإنه منسوخ بقوله تعالى: ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾ [البقرة: ٢٢١] وإذا صح النسخ جاز تزوج الزاني العفيفة والعفيف الزانية. وتزوج الزاني الزانية لعموم قوله تعالى: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ [النور: ٣٢] وقد أنكر القول بالنسخ شيخنا أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى لوجهين: أحدهما أنا لا ندري أي الآيتين المتقدمة من المتأخرة. والثاني أن قوله: ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية﴾ خاص وقوله: ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ عام، والعام لا ينسخ الخاص، والثاني أنها محكمة. إلا أن من ذهب إلى هذا اختلفوا في التأويل، فقال ابن عباس وغيره إن النكاح في الآية بمعن الجماع لا بمعنى التزوج، والقصد بالآية على هذا تشنيع الزنا وأنه محرم، واتصال الآية على هذا التأويل بما قبلها حسن فيكون المعنى أن الزاني لا يزني إلا بزانية مثله مسلمة أو مشركة، وكذلك الزانية من المسلمات لا تزني إلا مع زان من المسلمين أو مع مشرك وهذا أحسن ما في الآية. إلا أن الزجاج قد أنكره وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا معنى التزوج. وهذا ليس


الصفحة التالية
Icon