الموالاة فيه إلا أن يخاف على نفسه فيجوز له أن يفديها بأن يطلعه على مال الغير فأما إراقة دم الغير فلا يجوز أن يفدي نفسه بها إجماعًا، وليصبر على ما أصابه.
وأما قول قتادة: (إلا أن تتقوا منهم تقاة)، يعني تقية الرحم من المشرك فليست مواساة الرحم المشرك تقية وإنما ذلك صلة وهو بين في قوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم﴾ كما تقدمت الإشارة إليه وهو أيضا بين في حديث أسماء قالت يا رسول الله: إن أمي قدمت على راغبة وهي مشركة أفاصلها؟ قال: نعم صلى أمك، وهذا كله يبين لك أن الآية محكمة ليس للنسخ إليها طريق والله أعلم.
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿رب إني نذرت لك ما في بطني محررا﴾ ظن بعضهم أنه كان في شرح من قبلنا جواز استرقاق الأحرار باختيارهم وكان الآباء يملكون أبناءهم فيتصرفون فيهم تصرفهم في الذين ملكت أيمانهم بإرادتهم وأن ذلك ليس في شرعنا فكان ذلك نسخا له.
قال القاضي محمد بن العربي:
هذا ظن باطل، إنما حقيقة الآية أن الله سبحانه أخبر عن أم مريم أنها حين بشرت بالولد وتبين لها الحمل به علمت أن الولد أنس الدنيا، وعضد فيها وعون لها، وزينة عليها، فالتزمت أن تتركه لله يتعبد له وينفرد بطاعته ولا يكون لها حظ الوالدة فيه، وقد بينا ذلك على التمام في الأحكام فلينظر هنالك إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon