الشهر في نفسه محترمة معظمة، وكذلك حرمة الهدى والقلائد باقية إلى يوم القيامة، لكنها لا تعصم أحدا ممن وجب عليه حد أو قتل. وقوله تعالى: ﴿ولا أمين البيت الحرام﴾ خص منه المشركون الذين كانوا يخرجون باسم الحج فلا يعرض لهم، وبقيت حرمة كل قاصد للبيت معظمة زيادة على حرمة إيمانه، ووجب قتل المشرك، كان آما للبيت أو غير أم أو جاز على حسب حاله. فإن قيل وكيف يدخل الكفار في هذه الآية مع قوله تعالى في آخرها: ﴿يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا﴾ والكافر لا يبتغي فضل الله ولا رضوانه؟
قلنا أما فضل الله فهي التجارة ها هنا، وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما في الرجل يحج ويحمل معه متاعا، قال لا بأس وتلا هذه الآية: ﴿يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا﴾ وأبين من هذا قوله تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم﴾ فأما قوله ورضوانا فإن كل أمة فيما تأتيه تعتقد أنه رضي الله وطاعته، فخرج الكلام على المقاصد والباري تعالى، يمييز الخبيث من الطيب ويفصل الحق من الباطل ويقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم.
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام﴾ الآية قال ابن زيد، هذا منسوخ بآية القتال، وقتلهم وجهادهم من اعظم الاعتداء وهو مأمور به فيهم. وقال مجاهد وغره: الآية مخصوص محكمة، نزلت في مطالبة المسلمين للمشركين بدخول الجاهلة لأجل أن صدوهم عن المسجد الحرام أن تطالبوهم بما مضى في الجاهلية. وقد قال النبي عليه السلام: (لعن الله من قتل بذحل كان في الجاهلية) وهذا القول بالآية أولى.


الصفحة التالية
Icon