طريق، إنما هو من باب التأويل للمعاني المشكلة. فأما من قرأها بالرفع فقد قطعها عن جميع ما تقدم وأبقاها للبيان. فقد بين الشارع صلوات الله عليه فيها الغسل. وأما من قرأها بالنصب فقد عطفها على الوجه واليدين وحمل الرأس بينهما لفظا لدخوله بينهما عملا، فجاء بالترتيب ذكر للترتيب عملا ولكل عضو سنته، وأما من قرأها بالخفض فهي بحر إشكال: قال الطبري رحمه الله: القراءتان كالخبرين يعمل بهما جميعا. وهذا إنما يصح إذا تساوتا، وقراءة الخفض محتملة وأحاديث النبي عليه السلام نص في تحريم المسح وإيجاب الغسل، إذ رأي قومًا توضأوا وعراقيبهم تلوح فقال: (ويل للعراقيب من النار) ويحتمل من قرأ بالخفض أن يريد به حالة للرجلين وهي كونهما في الخفين، فيكون ذلك معنى الآية لا ناسخًا لها ولا منسوخًا ويحتمل أن يعطفها لفظا ويخرجها معنى كماجاء في لغة العرب قال الشاعر:
أعلفتها تبنا وماء باردا
وشراب ألبان وتمر وأقط
ورأيت زوجك في الوغا متقلدا سيفا ورمحا
وأطفلت بالجهلتين ظباؤها ونعامها
والماء لا يعلف، والأقط لا يشرب، والرمح لا يتقلد، والنعام تفرخ لا تطفل، ولكنه حمل الثاني على الأول لفظا، اتكالا على المعنى المفهوم، وها هنا يعطف عليه تعويلا على بيان المبلغ، ولقد بين وأوعد ووعد صلوات الله عليه وسلامه.