وحديثا فيمن ذبح من أهل الكتاب. باسم غير الله من نبي أو كنيسة كمن ذبح لعيسى عليه السلام أو يذبح لسرجس كنيسة معظمة عندهم فمنهم من منع أكلها لقوله تعالى: ﴿وما أهل لغير الله به﴾ ولقوله تعالى: ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه﴾ والآية الأولى أخص بدليله (لكونها نصا) كما قدمنا. ومنهم من قال هي رخصة مستثناه مخصوصة بقوله تعالى: ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾ مع علم ربنا بأنهم يذبحون لغيره، ويذكرون على مناسكم سواه، ولكنه سبحانه يحرم ما يشاء ويحلل ما يشاء. وقد سألت عنها شيخنا أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، الإمام الزاهد فقال: يوكل ما ذبحوا وإن سموا غير الله، قد أباح طعام أوائلهم وهؤلاء من أبنائهم. فإن قلنا: إنه لا يوكل من طعام أهل الكتاب ما ذبحوا لغير الله فآية الكتابيين مخصوصة بقوله تعالى: ﴿وما أهل لغير الله به﴾ وإن قلنا إنه يوكل فقوله: ﴿وما أهل لغير الله به﴾ مخصوص بقوله: ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾.
وفيه نظر عظيم فإنه عموم خص عموما، وإنما يخص العموم بالمخصوص لا بعموم مثله ولكن العلماء اعتمدوا في هذا المعنى على ما يعضد كل عموم من المعنى، فمن عضد معنى التحريم غلب عمومه، في قوله: ﴿وما أهل لغير الله به﴾ ومن غلب عموم التحليل فيما يعضده من طريق الرخصة والمعنى وهو الصحيح عندنا، فإن أهل الكتاب وإن دعوا الله فإنهم يعتقدون أنهم ذبحوا لرب له زوجة وولد وذلك ذبح لغير الله، فلما كان مآل جميع ذبحهم لغير الله لم تبال سموا ربهم الباطل أم سموا الرب الحق وهم يعتقدون أنه ذلك، وإليه مرجع قولهم ولهذا قال علماؤنا: إذا قلنا بتكفير القدرية لم تأكل ذبائحهم، فإنهم إذا قالوا باسم الله فإن الله عندهم لعنهم الله هو الذي ليس له علم ولا قدرة ولا كلام، ويخلق عبادة ما أردوا ولا يقدر على