قال القاضي محمد بن العربي رضي الله عنه:
لم يبق أحد من أرباب التأليف ممن جمع في هذا الفن إلا وقد حطب ليلا وجر على العلم ذيلا واستوجب ويحا أو قل ويلا. ونحن بتوفيق الله تعالى نتتبع بالبيان جميع الآيات ونظهر في أثناء ذلك ما أتى به هؤلاء القوم من الغفلات فنقول: قد بينا في كتاب قانون التأويل، وجوب تنزيل الألفاظ على معانيها الظاهرة فيها اللائقة بها فإن، جاء من الحديث الصحيح ما يبين المراد منها فهي السبيل المهيع والمراد الأنجع فننظر إلى الآيات ونركب علىها أظهر المعاني المحتملات. قال الله تعالى: ﴿براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين﴾ وهذا يقتضي ألا يبقى مشرك له عهد إلا وقد بريء الله منه بالعموم الظاهر التعميم ولا يدخل في هذا العموم اليهود لما بيناه في أصول الفقه فإن الله تعالى إنما بريء من العهد الذي كان على موادعة في الحرب وكف عن القتال وهو عهد المشركين من العرب. فأما عهد اليهود فإنما كان عهد قهر وغلبة وصغار وذلة حين رأيت من كان حليفا لها قد صار عدوا لها واليا مع النبي ﷺ عليها. ثم قال تعالى: ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾ فسحة لهم في المهل وإرخاء في الطول ونبذ على سواء حسبما وقع الأمر من الله له به، وهي غاية الآجال عند العلماء في استيفاء الحقوق. ثم قال وهذا الأذان من الله ورسوله إلى الناس يكون يوم الحج الأكبر، يريد: يوم النحر عند اجتماعهم بمنى لتقوم الحجة عليهم بالسماع ويقوم العذر في الإبلاغ. ثم قال: ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم﴾.
فأخبر الله تعالى في الآية الأولى أنه بريء من المشركين ثم قال في الآية التي بعدها ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين﴾ فلو وقف ها هنا بالكلام لدفع


الصفحة التالية
Icon