أخره أوله، وكان بمنزلة قول القائل: جاء القوم إلا القوم ورأيت قريشا إلا قريشا فلما قال تعالى: ﴿ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا﴾ فكان تقدير الآية: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ممن تخافون خيانتهم بنقص عهد أو مظاهرة أحد عليكم إن وقع ذلك منهم فخصت الآية الثانية وبينت المراد منها وبقي من أوفي من المشركين بعهده لنص القرآن على حكم عصمته إلى مدته ثم تلحقه البراءة بعد ذلك ثم قال بعد ذلك (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) وفيها أربعة أقوال:
الأول أنها الأشهر المعلومة: رجب، والثلاثة المتصلة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. الثاني أنها سوال من سنة تسع إلى المحرم من سنة عشر. الثالث أنها أربعة من يوم النحر من سنة تسع. الرابع: أنها تمام تسعة أشهر كانت بقيت من عهدهم.
فأما الأول ففاسد بالإجماع وبالمعنى على ما تقدم من نسخ تحريم القتال فيها، وأما من قال أنها من شوال سنة تسع فباطل لأن الأجل إنما يكون من يوم الإنذار قطعا ويقينا، وأما القول الرابع. فباطل قطعا، لأن الله تعالى يقول: ﴿أربعة أشهر﴾ وهذا يقول تسعة أشهر، مع أنه لا يقتضيه نظر ولا يعضده خبر. وأما الثالث فهو الصحيح لأنه قال: ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾ فاقتضي ذلك أن تكون المدة عقيب الإعلام، فيه وقع وعليه ترتب حل العهد وتبين منتهى الأجل، واقتضي عموم قوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركين﴾ قتل كل مشرك بعد تمام مدة السياحة المضروبة إعذارا، ولحق به الأمر بقتل من بقي عهده إلى مدته مالم يتب. فإن تاب فهو خير له، ومن تولي فلن يعجز الله حيث ساح ولا أين سار، فإن الله تعالى يصبح أمام الساري ويمنح كل سائح ومسيح وهو قوله بعد


الصفحة التالية
Icon