السنة فإنه لا يعتقد ولا يعهد ولا يأمر ولا ينهي ولا يفتي ولا يقضي إلا بوحي من الله سبحانه. ومن الغريب ما روى عن الحسن أنه قال إن قوله: ﴿فاقتلوا المشركين﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿فإما منا بعد وإما فداء﴾ وقال: لا يحل قتل أسير صبرا، ومن شروط النسخ معرفة التاريخ، ومن له بأن آية سورة محمد نزلت بعد براءة، وقد ثبت أن براءة من آخر ما نزل؟ ومع الاحتمال يسقط هذا المقال، وأغرب منه ما روي بعضهم عن ابن حبيب أنه قال قوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركين﴾ منسوخة بقوله: ﴿فإن تابوا﴾ وقد بينا فساده في قول (غير) وإنما تعجبنا لخفاء هذا عليه مع علمه رحمه الله.
الاية الثانية قوله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ قال بعضهم هذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين من أهل الكتاب وغيرهم، وقيل: هي ناسخةلقوله تعالى: ﴿وقاتلوا المشركين﴾ فأمر بقتال المشركين خاصة دون أهل الكتاب ثم أمر بقتال المشركين من أهل الكتاب وغيرهم. فنسخت تخصيص الأمر بالقتال للمشركين، وهذا القول غير صواب لأنه يلزم فيه ترك قتال المشركين، ولكن إنما نسخت مفهوم الخطاب في قوله تعالى: ﴿وقاتلوا المشركين﴾ فمفهومه ترك قتال أهل الكتاب ثم نسخ ذلك بهذه الآية وأباح قتال أهل الكتاب. فالمفهوم في الآية الأولى ترك قتالهم حتى يطعوا الجزية فكل كتابي مشرك وليس كل مشرك كتابيا فالمراد بقوله تعالى: ﴿وقاتلوا المشركين﴾ يعني الذين ليسوا من أهل الكتاب.
قال القاضي محمد بن العربي:
الذي تقتضيه هذه الآية في التحقيق الأصولي الجاري على القانون الكلي قتال أهل الكتاب، وليس لغيرهم ذكر لا في قتالهم ولا في نفي قتالهم إلا على القول بدليل الخطاب، فإنه يقتضي الكف عن قتالهم، ولا نرتضي ذلك ولا تقول به فهي موجبة للعفو عن بعض الكفار وهم أهل الكتاب فيكون ذلك تخصيصا في التحقيق لا نسخا فيه. وإيضاحه أن المشرك اسم ينطلق على كل كفر وهما على اختلاف ألفاظهما يرجع إلى أصل معنى الجهل بالله والإنكار له الموجبين إباحة الدم والمال في