قال القاضي محمد بن العربي رحمه الله:
قد تقدم القول في أمثالها ويحق لكم وعليكم أن تعلموا أن الله خلع على عبده من صفاته، فهو سبحانه رؤوف وعبد رؤوف وهو تعالى رحيم وعبده رحيم، وهو سبحانه يعفو ويصفح وكذلك في صفة عبده أنه يعفو ويصفح، وهو سبحانه غافر الذنب شديد العقاب. وعبده هو الضحوك القتال، وهو نبي الرحمة وهو نبي الملحمة، فأخبر عن أحواله بصفاته وكل صدق وصحيح في صفته مضاف إلى وقته، وقد كان نذيرا في وقت وصار بعد ذلك محاسبا، وكان عفوا صفوحا وصار بعد ذلك منتقما قالت عائشة رضي الله عنها: ما انتقم رسول الله لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله فيكون أشد الناس انتقاما له"..
الآية الثانية والثالثة: قوله تعالى: ﴿اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون﴾ قالوا: نسختها آية السيف، وقد تقدم القول في نظيرها وهذه مثلها فلا وجه لإعادة القول فيها.
وهم وتنبيه: قال بعضهم في قوله تعالى: ﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها﴾ قالوا نسختها قوله تعالى: ﴿من كان يريد العاجلة علجنا له فيها ما نشاء لمن نريد﴾.
قال القاضي محمد بن العربي رحمه الله:
ليس هذا بنسخ وإنما هو تخصيص عموم في غير تكليف، فلا يدخل في عرضنا وإنما يقتضي أن الباريء تعالى ينعم على العباد مومنهم وكافرهم بنعم الدنيا، وأما نعم الآخرة بالنيات الخالصة والأعمال الصالحة فيخص بها المؤمنين، وقوله تعالى: ﴿نوف إليهم أعمالهم فيها﴾ إخبار من الله لنا بأنه يعد نعمه عليهم في جزاء


الصفحة التالية
Icon