فتكلمت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ابصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء، فجاءت كذلك، فقال النبي: لولا ما مضى من كتاب الله كتاب لي ولها شأن، فحكم النبي عليه السلام عليه بحكم العموم، فإنه يحد للقذف إن لم يأت بالبينة على الزنا حتى أخرج الله تعالى بالآية الأخرى الأزواج على الجملة.
الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿ولا تقبلوا لهم شهادة ابدًا وأولئك هم الفاسقون﴾ قالوا نسخها قوله تعالى بعد ذلك، ﴿إلا الذين تابوا﴾ فاقتضي ذلك قبول الشهادة من القاذف إذا تاب. وهذا ليس بنسخ وإنما هو استثناء وذلك ليس بنسخ بإجماع كما بيناه في غير موضع.
قال القاضي محمد بن العربي رضي الله عنه:
اختلف الناس في هذه الآية اختلافا كثيرا وقد بيناه في غير موضع ومنه في كتاب الأحكام ومعظمه في ملجئة المتفقهين من طريق الإعراب، وهذا وإن لم يكن من باب النسخ، لكن القلوب تتشوف إليه لعسر الكلام فيه، فتذكر منه ما ينبه على المقصود فيه: وذلك أن الناس اختلفوا في كيفية رد شهادة القاذف، فمنهم من ردها قبل الحد وبعده وهو قول شريح ومنهم من ردها بعد الحد وهو قول أبي حنيفة وغيره، ومنهم من ردها قبل التوبة وقبلها بعد وهومالك والشافعي وجماعة واجتمعت الأمة على أن الحد واجب بكل حال، فأما أبو حنيفة فرأي أن رد الشهادة من جملة الحد، ويحتج بأن قبول الشهادة ولاية قد انعزل عنها بالحد فإنه تنفيذ قول الغير على الغير بمنزلة القضاء وجعلت العقوبة على القذف في محل الجناية، وهو اللسان تغليظا لأمرها. ورأي علماؤنا أن رد الشهادة لعلة الفسق وقد زال بالتوبة، والحكم يزول بزوال العلة كما في سائر المعاصي ويتعلق