بد من ضمير عائد عليه مقدرا ومقررا، وهذه مقدمة لفهم الآية، إذ قوله تعالى: ﴿والذين يتوفون منكم﴾ جملة من مبتدأ تقتضي خبرا، واختلفوا فيه على أقوال، أمثلها أن قوله (وصيه مبتدأ نكرة مفيدة ولا خلاف فيه عربية، وقوله لأزواجهم الخبر وهذه الجملة اللاحقة خبر الجملة السابقة وأرسلت بالضمير المصرح به في الثانية عائدا على المذكور به في الأولى. وقيل في القول الثاني إن ها هنا مقدرا صريحة: فعليهم وصية لأزواجهم. وقيل في القول الثالث تقديره: كتب عليهم وصية لأزواجهم قد قرأها البصريون والشاميون بالنصب على تقدير: كتب الله عليهم وصية وهذا القول الرابع.
قال القاضي رضي الله عنه:
وهذا تطويل يدل على تفصيل سمحنا بذكره في هذه العجالة، مع قصد الاختصار وإن كان له موضع سواه أليق به منه، قصدًا للتفهيم أعني الآية لكم منه وتوقيفكم على تقصير غيركم أو اجتهاده. فأما كون قوله وصية مبتدأ فلابد منه والابتداء بالنكرة جائز شائع ولا يحتاج أن يقال فيه إذا كان مفيدًا لأن الابتداء نصا بالمعرفة لا يجوز أن يكون إلا مفيدًا، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد قائم وهو بين يديك تراه لم يكن له معنى إلا أن يتركب على سابقة أو تركب عليه لاحقة من المعنى؟ وأما قوله فعليهم وصية فلا يحتاج إليه، لأن قوله: الذين يتوفون لأزواجهم وصية. كاف دون هذا الاضمار ولما في الألف واللام من معنى الارتباط، يجوز لك أن تؤكدة بالفاء ويجوز ان تفرده عنها ولاينحط المعنى في الوجهين عن مرتبه قال الله: ﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم﴾ وقال تعالى: ﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى﴾ فذكر الفاء وحذفها والمختار عندي هو الحذف، لما يوجب من الفصحاة والإراحة بحذف الزيادة إذا استقل المعنى دونها.