أنه لا سبيل إلى تحصيل المطالب العالية والكمالات إلا بالإقبال عليه وتدبره وتَفَهُّمه.
قال الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: «فلما كان كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع، والعمل الصالح، وهما الهدى ودين الحقِّ، وبتكميله لغيره في هذينِ الأمرين؛ كما قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر: ١ - ٣)، أقسم سبحانه أنّ كلَّ أحد خاسر إِلا من كَمَّل قوته العلمية بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكَمَّل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه، فالحقُّ هو الإيمان والعمل، ولا يَتِمَّان إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما-: كان حقيقًا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره، بل أنفاسه، فيما ينالُ به المطالب العالية، ويخلص بهِ من الخسران المبين، وليس ذلك إلا بالإِقبال على القرآن وتَفَهُّمه وتدبره، واستخراج كنوزه، وإثارة دفائنه، وصرف العناية إليه، والعكوف بالهمة عليه، فإنه الكفيل بمصالح العباد في المَعَاش والمعاد، والمُوصِل لهم إلى سبيل الرشاد» اهـ (١).
أنه الطريق إلى معرفة العبد لخالقه جل جلاله معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو الطريق إلى معرفة صراطه المستقيم الذي أمر العباد بسلوكه.
قال الآجري - رحمه الله -: «ومن تدبر كلامه، عرف الربَّ - عز وجل -، وعرف عظيم سلطانه وقدرته، وعرف عظيم تَفَضُّله على المؤمنين، وعرف ما عليه من فَرْضِ عبادته، فألزم نفسه الواجب، فحذر مما حذَّره مولاه الكريم، ورغب فيما رَغَّبه فيه، ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره، كان القرآن له شفاء، فاستغنى بلا مال، وَعَزَّ بلا عشيرة، وأَنِس بما يستوحش منه غيره، وكان هَمُّه
_________
(١) مدارج السالكين (١/ ٣٠).


الصفحة التالية
Icon