عند التلاوة للسّورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلو؟ ! ولم يكن مراده: متى أختم السّورة؟ ! وإنما مراده: متى أعقل عن الله الخطاب؟ ! متى أزدجر؟ ! متى أعتبر؟ ! لأن تلاوته للقرآن عبادة، والعبادة لا تكون بغفلة» اهـ (١).
أن ذلك من النصيحة لكتاب الله تعالى.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: «وأما النصيحة لكتاب الله، فَشِدَّة حُبِّه وتعظيم قَدْرِه؛ إذ هو كلام الخالق، وشِدَّة الرغبة في فهمه، وشِدَّة العناية لتدبره والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، أو يقوم به له بعد ما يفهمه، وكذلك الناصح من العباد يفهم وصية من ينصحه، وإن ورد عليه كتاب منه، عُني بفهمه؛ ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه، فكذلك الناصح لكتاب ربه؛ يُعْنَى بفهمه ليقوم لله بما أمره به كما يُحِب ويرضى، ثم ينشر ما فهم في العباد ويديم دراسته بالمحبة له، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه» اهـ (٢).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «فإنه قد عُلِم أنه من قرأ كتابًا في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك، فإنه لا بد أن يكون راغبًا في فهمه وتَصَوُّر معانيه، فكيف بمنْ قرؤوا كتاب الله تعالى المُنزل إليهم الذي به هداهم الله، وبه عَرَّفَهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغي؟ ! فمن المعلوم أن رغبتهم فِي فهمه وتصوُّرِ معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثًا، فإنه يرغب في فهمه؛ فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلِّغ عنه؟ ! بل من المعلوم أن رغبة الرسول - ﷺ - في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه؛ فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تُحَصِّل المقصود؛ إذ اللَّفظ إنما يُرَاد للمعنى» (٣).
_________
(١) أخلاق أهل القرآن ص: ٣٦ - ٣٧.
(٢) جامع العلوم والحكم (١/ ٢٢١).
(٣) مجموع الفتاوى (٥/ ١٥٧).