وإنما المقصود بيان ما يتصل بنا -معاشر البشر- من الأوصاف التي تُطْلَب شروطًا يتوقف عليها حصول التدبُّر، وذلك بحسب النظر الكُلِّي ينحصر في ثلاثة أمور:
الأول: وجود المَحَل القَابِل (القلب الحي).
الثاني: العمل الذي يصدر من المكلف (القراءة أو الاستماع، مع حضور القلب).
الثالث: قَدْر من الفهم للكلام المقروء أو المسموع.
وهذه الأمور الثلاثة يحصل فيها التفاوت كما لا يخفى، ولكل واحد منها جملة من الأسباب المُعِينَة التي يقوى باستجماعها أو يضعف بِتَخَلُّفِها، وقد ينعدم.
وقد جَمَعَت هذه الشروط آيةٌ في كتاب الله تعالى، وهي قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق: ٣٧)، حيث صَرَّحَت بالشرطين الأولين، وأما الثالث فهي دالة عليه لزومًا؛ وذلك أن إلقاء السمع لا بد أن يكون معه الكلام مفهومًا لدى السامع، وإلا فإن الإصغاء للكلام الذي لا يفهمه أصلًا، كالأعجمي، لا يحصل به المقصود (١) (٢).
_________
(١) تعليق إجمالي على الآية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، رحمهما الله:
(٢) ذِكْر حاصل أقوال المفسرين في الآية: