بيان شروط التدبُّر، وما يتفرع منها تفصيلًا:
الشرط الأول: وجود المَحَل القَابِل:
وهو القلب الحي؛ وذلك أن القلب إذا كان زكيًّا يَقِظًا أثمر ذلك فيه كل وصف ومعنى شريف؛ لأن «القلب إذا كان رقيقًا لينًا كان قبوله للعلم سهلًا يسيرًا، ورسخ العلم فيه وثبت وأَثَّر، وإن كان قاسيًا غليظًا كان قَبوله للعلم صعبًا عسيرًا.
ولا بد مع ذلك أن يكون زكيًّا صافيًا سليمًا؛ حتى يزكو فيه العلم ويثمر ثمرًا طيبًا، وإلا فلو قَبِل العلم، وكان فيه كَدَر وخبث، أفسد ذلك العلم، وكان كالدَّغَل في الزرع إن لم يمنع الحبَّ من أن ينبتَ منعه من أن يزكوَ ويطيب، وهذا بَيِّن لأُولي الأبصار»
(١).
ومن هنا كان الصحابة - رضي الله عنهم - يتعلمون الإيمان قبل القرآن.
فعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كنا مع النبي - ﷺ - ونحن فتيان حَزَاوِرَة (٢)، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا» (٣).
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: «لقد عشنا بُرْهَة من دهرنا، وإن أحدنا يُؤتَى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد - ﷺ -، فنتعلم حلالها وحرامها، وآمِرَها وزَاجِرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، كما تَعَلَّمُون أنتم اليوم القرآن،
_________
(١) مجموع الفتاوى (٩/ ٣١٥).
(٢) جمع حَزْوَر، وهو الذي قارب البلوغ. النهاية (١/ ٣٨٠).
(٣) رواه ابن ماجه (٦١)، والطبراني في الكبير (١٦٧٨)، والبيهقي في السنن (٣/ ١٢٠)، وفي الشعب (٥٠)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٥٢).


الصفحة التالية
Icon