ثم لقد رأيت اليوم رجالًا يُؤتَى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فَاتِحَتِه إلى خَاتِمَتِه ما يدري ما آمِرُه ولا زَاجِرُه، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه» (١).
وعن حذيفة - رضي الله عنه -: «إنَّا قوم أُوتينا الإيمان قبل أن نُؤتَى القرآن، وإنكم قوم أُوتيتم القرآن قبل أن تُؤتوا الإيمان» (٢).
وقد جاء عن عثمان - رضي الله عنه -: «لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله - عز وجل -» (٣).
وعلى قدر حياة القلب يكون تَأَثُّره وتَدَبُّره وتَذَكُّره، فتارة يقوى، وتارة يضعف، وقد ينعدم ويتلاشى، كما يدل على ذلك ما جاء في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى من الطبع على القلوب، والخَتْمِ عليها، وإزاغتها، فصاحب هذا القلب الأغلف أو المنكوس لا يحصل له شيء من التدبر والاعتبار والتفكر والانتفاع بما يقرأ أو يسمع من آيات الله تعالى.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند قوله تعالى: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ (ق: ٣٧): «كان المنافقون يجلسون عند رسول الله - ﷺ - ثم يخرجون، فيقولون: ماذا قال آنفًا؟ ! ليس معهم قلوب» (٤)؛
يشير إلى قوله تعالى عن المنافقين: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ (محمد: ١٦).
_________
(١) رواه الحاكم في المستدرك (١/ ٨٣)، والبيهقي في السنن (٣/ ١٢٠)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (١٤٥٣)، وابن نصر في قيام الليل (المختصر ٧٨).
(٢) سنن البيهقي (٣/ ١٢٠).
(٣) رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد (ص ١٠٦)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (٧/ ٣٠٠).
(٤) رواه ابن مردويه؛ كما في الدر المنثور (١٣/ ٦٥٣).