وقال ابن عاشور - رحمه الله -: «فالاستماع والإنصات المأمور بهما المُؤَدِّيان بالسامع إلى النظر والاستدلال، والاهتداء بما يحتوي عليه القرآن من الأدلة على صدق رسول الله - ﷺ - المُفْضِي إلى الإيمان به، ولما جاء به من إصلاح النفوس، فالأمر بالاستماع مقصود به التبليغ، واستدعاء النظر، والعمل بما فيه» (١).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «قال لي النبي - ﷺ -: «اقرأ عليَّ القرآن»، قلت: أأقرأ عليك وعليك أُنزل؟ ! قال: «إني أُحبُّ أن أسمعَه من غيري»، قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء: ٤١)، قال: «حسبك»، فالتفتُّ فإذا عيناه تذرفان» (٢).
قال ابن بطال - رحمه الله -: «يحتمل أن يكون الرسول - ﷺ - أَحَبَّ أن يسمعه من غيره؛ ليكون عَرْضُ القرآن سُنَّة تُحْتَذى بها، كما يحتمل أن يكون لكي يتدبَّرَه ويتفهمه؛ وذلك لأن المستمع أقوى على التدبر، ونفسه أخلى وأنشط من نفس القارئ؛ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها» (٣).
قال ابن تيمية - رحمه الله -: «هذا سماع سلف الأمة، وأكابر مشايخها وأئمتها كالصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المشايخ؛ كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، وأمثال هؤلاء، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لأبي موسى - رضي الله عنه -: ذَكِّرْنا
_________
(١) التحرير والتنوير (٩/ ٢٣٦).
(٢) رواه البخاري (٤٥٨٣، وأطرافه في: ٥٠٥٠، ٥٠٥٥)، ومسلم (٨٠٠).
(٣) شرح صحيح البخاري لابن بطال (١٠/ ٢٧٧ - ٢٧٨).


الصفحة التالية
Icon