قال ابن عاشور - رحمه الله -: «قوله تعالى لنبيه - ﷺ -: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾، دون (تحبها) أو (تهواها) أو نحوهما؛ فإن مقام النبي - ﷺ - يربو عن أن يتعلق مَيْلُه بما ليس بمصلحة راجحة بعد انتهاء المصلحة العارضة لمشروعية استقبال بيت المقدس؛ ألا ترى أنه لما جاء في جانب قبلتهم بعد أن نُسِخَت جاء بقوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾... (البقرة: ١٢٠)، الآيةَ» (١).
٥ - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)﴾ (البقرة).
قال الأصفهاني - رحمه الله -: «إنما قال: ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ ولم يقل: (أنفسهم)؛ لأن الإنسان لا يعرف نفسه إلا بعد انقضاء بُرهة من دهره، ويعرف ولده من حين وجوده، ثم في ذكر الابن ما ليس في ذكر النفس؛ فإن الإنسان (٢) عصارة ذاته ونسخة صورته» (٣).
٦ - قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)﴾ (البقرة).
«الأمر بالاستباق إلى الخيرات قَدْرٌ زائد على الأمر بفعل الخيرات؛ فإن الاستباق إليها يتضمن فعلها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرة إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات» (٤).
_________
(١) التحرير والتنوير (٢/ ٢٨).
(٢) هكذا في الأصل، ولعل العبارة: فإن الابن عصارة... أو: فابن الإنسان عصارة...
(٣) تفسير الراغب (١/ ٣٣٨).
(٤) تفسير السعدي (ص ٧٢).