(تناولوا وأكلوا) ونحو ذلك لهذا المعنى؛ لأن هذا الذم إنما يتناول متبعي الشهوات، فمهما اشتهت نفوسهم فعلوه على أنه المقصود المتبوع» (١).
١٧ - قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)﴾ (الحج).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «المُرْضِع مَن لها ولد تُرضعه. والمُرضِعة من أَلقَمت الثدي للرضيع، وعلى هذا فقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ أبلغ من (مُرضِع) في هذا المقام؛ فإن المرأة قد تَذهَل عن الرضيع إذا كان غير مُبَاشِر للرضاعة، فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعه لم تَذْهَل عنه إلا لأمر أعظم عندها من اشتغالها بالرضاع.
وتأمل رحمك الله تعالى السر البديع في عدوله سبحانه عن (كل حامل) إلى قوله: ﴿ذَاتِ حَمْلٍ﴾، فإن الحامل قد تُطْلَق على المُهَيَّأة للحمل، وعلى من هي في أول حملها ومبادئه، فإذا قيل: ﴿ذَاتِ حَمْلٍ﴾، لم يكن إلا لمن ظهر حملها وصلح للوضع كاملًا أو سِقْطًا؛ كما يقال: (ذات ولد)» (٢).
١٨ - قال تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)﴾ (الشعراء).
«فإن قلت: لِمَ جَمَع الشافع ووَحَّد الصديق؟ قلت: لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق» (٣).
_________
(١) المواهب الربانية (ص ٥٩).
(٢) بدائع الفوائد (٤/ ٢١ - ٢٢). وقد مضى ذلك (ص ٨٠).
(٣) الكشاف (٣/ ٣٢٢).