من المَشْرِق، والليل أبدًا يظهر من المَغْرِب (١).
ثم تأمل مجيئهما مجموعين في سورة المعارج في قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)﴾ (المعارج)، لما كان هذا القَسَم في سياق سَعَة ربوبيته وإحاطة قُدرته، والمُقسَم عليه أرباب هؤلاء، والإتيان بخير منهم؛ ذَكَر المَشَارِق والمَغَارِب؛ لتَضَمُّنِهما انتقال الشمس التي هي أحد آياته العظيمة الكبيرة ونَقْله سبحانه لها وتصريفها كل يوم في مَشْرِق ومَغْرِب، فمَن فعل هذا كيف يُعجِزه أن يُبدِّل هؤلاء وينقل إلى أمكنتهم خيًرا منهم، وأيضًا فإن تأثير مَشَارِق الشمس ومَغَارِبها في اختلاف أحوال النبات والحيوان أمر مشهور، وقد جعل الله تعالى ذلك بحكمته سببًا لِتَبَدُّل أجسام النبات وأحوال الحيوانات وانتقالها من حال إلى غيره، ويبدل الحر بالبرد والبرد بالحر، والصيف بالشتاء والشتاء بالصيف، إلى سائر تَبَدُّل أحوال الحيوان والنبات والرياح والأمطار والثلوج وغير ذلك من التَّبَدُّلات والتَّغيرات الواقعة في العالم بسبب اختلاف مَشَارِق الشمس ومَغَارِبها، كان ذلك تقدير العزيز العليم، فكيف لا يَقْدِر مع ما يَشْهَدُونه من ذلك على أن يُبدِّل خيرًا منهم، وأكد هذا المعنى بقوله: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾، فلا يليق بهذا الموضع سوى لفظة الجمع.
_________
(١) وقال أيضًا: «وأما في سورة المُزَّمِّل فَذَكَر المَشْرِق والمَغْرِب بلفظ الإفراد؛ لما كان المقصود ذِكْر ربوبيته ووحدانيته، وكما أنه تَفَرَّد بربوبية المَشْرِق والمَغْرِب وحده، فكذلك يُحِب أن يتفرد بالربوبية والتوكل عليه وحده، فليس للمَشْرِق والمَغْرِب رب سواه، فكذلك ينبغي ألا يُتَّخَذ إله ولا وكيل سواه.
وكذلك قال موسى لفرعون حين سأله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣)﴾ (الشعراء)، فقال: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)﴾ (الشعراء)، وفي ربوبيته سبحانه للمشارق والمَغَارِب تنبيه على ربوبيته السموات وما حوته من الشمس والقمر والنجوم، وربوبيته ما بين الجهتين، وربوبيته الليل والنهار وما تضمناه... » اهـ. التبيان في أقسام القرآن (ص ١٩٥ - ١٩٦).