حاولوا قتل النبي - ﷺ - بالسم والسحر، وقد قال - عليه السلام - في مرض موته: «ما زالت أَكْلَة خيبر تُعَاوِدُني؛ فهذا أوان انقطاع أَبْهَرِي» (١)» (٢).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «فلما أراد الله إكرامه بالشهادة، ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السُّم؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وظهر سِرّ قوله تعالى لأعدائه من اليهود: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾، فجاء بلفظ ﴿كَذَّبْتُمْ﴾ بالماضي الذي قد وقع منه وتحقق، وجاء بلفظ ﴿تَقْتُلُونَ﴾ بالمستقبل الذي يتوقعونه، وينتظرونه، والله أعلم» (٣).
٣ - قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)﴾ (الأنفال).
«فقد جاء في صدر الآية بالفعل: ﴿لِيُعَذِّبَهُمْ﴾، وجاء بعده بالاسم: ﴿مُعَذِّبَهُمْ﴾؛ وذلك أنه جعل الاستغفار مانعًا ثابتًا من العذاب، بخلاف بقاء الرسول بينهم فإنه -أي العذاب- مَوْقُوت ببقائه بينهم؛ فذكر الحالة الثابتة بالصيغة
_________
(١) أخرجه البخاري بنحوه في صحيحه (٤٤٢٨). والأَبْهَر: عِرْق في الظهر، وهما أَبْهَرَان. وقيل: هما الأَكْحَلَان اللذان في الذراعين. وقيل: هو عِرْق مُسْتَبْطِنٌ القلب، فإذا انقطع لم تبق معه حياة. وقيل: الأَبْهَر عِرْق مَنْشَؤُه من الرأس ويمتد إلى القدم، وله شرايين تتصل بأكثر الأطراف والبدن، فالذي في الرأس منه يُسَمَّى النَّأمَة، ومنه قولهم: أسكتَ الله نَأمَته؛ أي: أماته، ويمتد إلى الحَلْق فيسمى فيه الوريد، ويمتد إلى الصدر فيسمى الأَبْهر، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوَتِين، والفؤاد مُعَلَّق به، ويمتد إلى الفَخِذ فيسمى النَّسَا، ويمتد إلى الساق فيسمى الصَّافِن. النهاية لابن الأثير (١/ ١٨)، م: (أبهر).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٣٢٣)، مع مُغَايَرة في عبارة الزمخشري في الكشاف (١/ ١٦٣).
(٣) زاد المعاد (٤/ ١١٣).