كالنذر -إذ ليس فيه نَقْض للمشروع، وليس كمن صلى قبل الوقت- وإما أن يَلْزَم الإحرام، ويَسْقُط الحج، ويكون مُعْتَمِرًا؛ وهذان قولان مشهوران.
ثم أمر عند قضاء المناسك بذِكْره، وقضاؤها -والله أعلم- قضاء التَّفَث والإحلال؛ ولهذا قال بعد ذلك: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ (البقرة: ٢٠٣)، وهذا أيضًا من العبادات الزمانية المكانية؛ وهو ذكر الله تعالى مع رمي الجمار، ومع الصلوات، ودلّ على أنه مكاني قوله: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ الآية (البقرة: ٢٠٣)، وإنما يكون التعجيل والتأخير في الخروج من المكان؛ ولهذا تُضَاف هذه الأيام إلى مكانها فيُقال: أيام منى، وإلى عملها فيُقال: أيام التشريق، كما يُقال: ليلة جَمْع، وليلة مزدلفة، ويوم عرفة، ويوم الحج الأكبر، ويوم العيد، ويوم الجمعة؛ فُتضاف إلى الأعمال وأماكن الأعمال؛ إذ الزمان تابِع للحركة، والحركة تابعة للمكان.
فتدبَّر تناسب القرآن، وارتباط بعضه ببعض، وكيف ذَكَر أحكام الحج فيها في موضعين: مع ذكر بيته، وما يتعلق بمكانه، ومَوْضِعٍ ذَكَر فيه الأَهِلَّة، فذكر ما يتَعَلَّق بزمانه، وذكر أيضًا القتال في المسجد الحرام، والمقَاصَّة في الشهر الحرام؛ لأن ذلك مما يتعلَّق بالزمان المُتَعَلِّق بالمكان؛ ولهذا قَرَن سبحانه ذِكْر كون الأهلة مواقيت للناس والحج وذِكْر أن البِرّ ليس أن يُشْقِي الرجلُ نَفْسَه، ويفعل ما لا فائدة فيه؛ من كونه يَبْرُز للسماء فلا يَسْتَظِلّ بسَقْف بيته، حتى إذا أراد دخول بيته لا يأتيه إلا من ظهره، فأخبر أن الهلال الذي جُعِل مِيقاتًا للحج شَرْعٌ مثل هذا، وإنما تَضَمَّن شَرْعَ التقوى.


الصفحة التالية
Icon