ثم ذكر بعد ذلك ما يتَعَلَّق بأحكام النكاح والوالدات، وما يتعلَّق بالأموال والصدقات والربا والديون وغير ذلك، ثم ختمها بالدعاء العظيم المُتَضَمِّن وَضْع الآصار والأغلال، والعفو والمغفرة، والرحمة وطلب النصر على القوم الكافرين الذين هم أعداء ما شَرَعَه من الدين في كتابه المبين. والحمد لله رب العالمين» اهـ (١).
وقال الشاطبي - رحمه الله -: «ثم لما هاجر رسول الله - ﷺ - إلى المدينة كان من أول ما نزل عليه سورة البقرة، وهي التي قرَّرَت قواعد التقوى المَبْنِيَّة على قواعد سورة الأنعام؛ فإنها بَيَّنَت من أقسام أفعال المكلفين جُمْلَتها، وإن تَبَيَّن في غيرها تفاصيل لها؛ كالعبادات التي هي قواعد الإسلام، والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما، والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دَارَ بها، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها.
وأيضًا؛ فإن حِفْظ الدين فيها، وحِفْظ النَّفْس والعقل والنسل والمال مُضَمَّن فيها، وما خرج عن المُقَرَّر فيها فبحكم التَّكْمِيل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مَبْنِي عليها، كما كان غير الأنعام من المَكِّي المُتَأخِّر عنها مَبْنِيًّا عليها، وإذا تَنَزَّلْت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب؛ وجدتَّها كذلك، حذو القُذَّة بالقُذَّة؛ فلا يَغِيبَنّ عن النَّاظر في الكتاب هذا المعنى؛ فإنه من أسرار علوم التفسير، وعلى حَسَب المعرفة به تَحْصُل له المعرفة بكلام ربه سبحانه» اهـ (٢).
_________
(١) مجموع الفتاوى (١٤/ ٤١ - ٤٧).
(٢) الموافقات (٤/ ٢٥٧).