والحق اضْمِحْلَالًا لايقوم بعده أبدًا؛ فقد ظن بالله ظن السوء، ونَسَبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله، وصفاته ونعوته، فإن حَمْدَه وعِزَّته وحِكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النُّصْرَة المُستقرة والظَّفَر الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه، ولا عرف أسماءه، ولا عرف صفاته وكماله، وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائه وقَدَرِه فما عرفه، ولا عرف ربوبيته ومُلْكَه وعظمته، وكذلك من أنكر أن يكون قَدَّر ما قَدَّرَه من ذلك وغيره لحِكْمَة بالغة، وغاية محمودة يستحق الحمد عليها، وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مُجَرَّدَة عن حِكْمة، وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فَوْتِها، وأن تلك الأسباب المكروهة المُفْضِية إليها لايخرج تقديرها عن الحِكْمة؛ لإفضائها إلى ما يحب، وإن كانت مكروهة له، فما قَدَّرَها سُدًى، ولا أنشأها عبثًا، ولا خلقها باطلًا؛ ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)﴾ (ص)، وأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظَنَّ السَّوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاته، وعرف مُوجِبَ حَمْدِه وحكمته، فمن قَنَطَ من رحمته، وأَيِسَ من رَوْحه، فقد ظن به ظن السوء» (١).
٥ - قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)﴾ (آل عمران).
قال السعدي - رحمه الله -: «وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته والعمل المُوصِل إليه، فلا يُوصَل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يُدرَك النعيم إلا بترك النعيم، ولكن مَكَارِه الدنيا التي تُصيب العبد في سبيل الله عند تَوطِين النفس لها، وتَمْرِينها
_________
(١) زاد المعاد (٣/ ٢٢٩ - ٢٣٠).