وكذلك إذا دعتُه نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المُحَرَّمة، وقال لها: هَبْكِ فعلتِ ما اشتهيتِ، فإن لذته تنقضي، ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها.
وهذا من أعظم ما ينفع العبد تَدَبُّره، وهو خَاصَّة العقل الحقيقي؛ بخلاف الذي يَدَّعي العقل وليس كذلك، فإنه بجهله وظُلْمه يُؤْثِر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان» (١).
١٠ - قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)﴾ (الأنعام).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «منهم من يكون على أخلاق السِّبَاع العادية، ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب، وأخلاق الخنازير، وأخلاق الحمير، ومنهم من يَتَطَوَّس بثيابه، كما يَتَطَوَّس الطاوس في ريشه، ومنهم من يكون بليدًا كالحمار، ومنهم من يُؤْثِر على نفسه كالديك، ومنهم من يألف ويُؤْلَف كالحمام، ومنهم الحقود كالجمل، ومنهم الذي هو خير كله كالغنم، ومنهم أشباه الثعالب تروغ كروغانها.
وقد شَبَّه الله تعالى أهل الجحيم والغَي: بالحُمر تارة، وبالكلب تارة، وبالأنعام تارة، وتقوى هذه المشابهة باطنًا، حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورًا خفيًّا، يراه المُتفَرِّسُون، وتظهر في الأعمال ظهورًا يراه كل أحد»
(٢).
_________
(١) تفسير السعدي (ص ٢٠٠).
(٢) الجواب الكافي (ص ١١٨ - ١١٩).


الصفحة التالية
Icon