هو من جهة أخرى وهي الصدقة عليهم والتخفيف عنهم.
ولولا أن المفهوم المذكور حجة لما فهماه ولما أقرهما النبي صلّى الله عليه وسلّم على فهمهما إياه.
وبعضهم يترجم مفهوم الشرط بأن يقول: المعلق على شيء بحرف «إن» عدم عند ذلك الشيء نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق؛ علق طلاقها على الدخول، فينتفي عند انتفاء الدخول.
والمفهوم على أضرب: مفهوم الشرط والحصر والصفة والعدد واللقب وغير ذلك مما سيقع في مواضعه إن شاء الله، عز وجل.
﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً﴾ (١٠١) [النساء: ١٠١] هو لكفار معهودين، أو عام أريد به الخاص، أو عام خص بمن أسلم منهم بعد ذلك أو صار أخا وصديقا لا عدوا، أو المراد: كانوا لكم عدوا حال كفرهم.
﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً﴾ (١٠٢) [النساء: ١٠٢] فيه دليل على جواز فرض مسائل لم تقع بعد، وإعداد حكمها لوقت وقوعها؛ لأن الله-عز وجل-بين لهم حكم المطر والمرض قبل وقوعه على تقدير وقوعه.
﴿وَلا تَهِنُوا فِي اِبْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ (١٠٤) [النساء: ١٠٤] فيه ترجيح أحد الدليلين المتعارضين بما يختص به من أسباب القوة؛ لأن الله-عز وجل-قال للمؤمنين: جدوا في جهاد الكفار، ولا يصدنكم عنهم ألم الجهاد؛ فإن الألم مشترك بينكم وبينهم، وتترجحون عليهم برجاء ثواب الآخرة دونهم، وذلك مما يناسب جدكم في جهادكم.