التبعيض في الباء منقولا عن الشافعي، ولو ثبت عنه كان حجة، وقد خرج مسح البعض على غير تبعيض الباء، وهو أن الباء إن وردت للتبعيض وغيره في الاستعمال فكانت في الآية مجملة لاحتمالها الأمرين، فاقتصر فيه على الأقل المتيقن، وهو ما يصدق عليه اسم المسح، وهو تقرير الإمام فخر الدين، في تفسيره.
وعند أبي حنيفة-رحمه الله-الواجب مسح ربع الرأس، وعنه قدر الناصية، وعنه قدر ثلاث أصابع؛ لأن المسح يقتضي آلة يمسح بها، وهي الكف، وثلاث أصابع أكثره، فقامت مقام جميعه، وفي كون الباء للتبعيض أولا مباحث نظرية، مذكورة في أصول الفقه لا نطيل بذكرها، ويكفي في ذلك إطباق أهل اللغة على إنكار أنها للتبعيض إلا ابن كيسان (١)، وما يروى عن الشافعي، قال ابن برهان الأصولي النحوي (٢): من زعم أن الباء للتبعيض، فقد أتى أهل اللغة بما لا يعرفونه، ومحل الخلاف ما إذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه نحو:
مسحت رأسي، وبرأسي لا مطلقا.
المسألة الثانية: ذكر الرأس، وهو ممسوح متخللا للمغسولات، احتج به من رأى الترتيب فرضا في الوضوء، هو الشافعي وأحمد-رحمهما الله-بناء على أن ذلك، لا بد له من فائدة، ولا فائدة إلا التنبيه على الترتيب، وفيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: إن تخلل الرأس للمغسولات هو بمقتضى الكلام القديم عبارة مسموعة جعل أو معنى ذاتيا، والكلام القديم لا يعلل بالفوائد والعلل، سلمنا أنه لا بد له من/ [١٢٣/ل] فائدة، لكن جاز أن تلك الفائدة تعديل الكلام المعتبر في الإعجاز، وجاز أنها للتنبيه على استحباب الترتيب لا وجوبه، ومن الشافعية من بنى الترتيب في الوضوء على كون الواو العاطفة تقتضي الترتيب [لا وجوبه] وبعض الأعضاء معطوف على بعض بها. ويحكى أيضا عن الشافعي، والصحيح أن لا ترتيب فيها وأنها للجمع المطلق كما مر.
ومنهم من أثبت بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم توضأ وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» (٣)، وذلك الوضوء إما مرتب؛ فيلزم ألا تقبل الصلاة إلا بوضوء مرتب، وهو المطلوب،