﴿وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً﴾ [المائدة: ١٣] قسوة القلب صلابته، فلا يلين لطاعة الله- عز وجل-وذكره، وسببها ما يخلقه الله-عز وجل-في القلب من غلبة شهوات الدنيا عليه والاغترار بها فيخالف في تحصيلها المأمورات، ويرتكب المحظورات، وربما قال المعتزلة:
إنه-عز وجل-جعل تقسيته لقلوبهم عقوبة على نقضهم للميثاق فلو كانت العقوبة والذنب جميعا من فعله وخلقه لما كان أحدهما بأن يكون ذنبا والاخر عقوبة أولى من العكس، ويجاب عنه بالمنع بل نقول: لما كانا جميعا/ [١٣٦/ل] مخلوقين له بالقدرة والاختيار اختار أن خلق النقض ذنبا وتقسية القلوب عقوبة.
﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ [المائدة: ١٣] قيل: حرفوه بالتبديل، وقيل:
بالتأويل، والحق أنهم حرفوه بالأمرين، ولعل اختلاف العبارتين وهي (يحرفون الكلم عن مواضعه) و (من بعد مواضعه) إشارة إلى ذلك، ويشبه أن تحريفه من بعد مواضعه بالتبديل، وعن مواضعه بالتأويل، لأن التبديل أخص التحريفين، ومن بعد مواضعه أخص العبارتين، فيجعل الأخص للأخص عملا بموجب المناسبة، هذا كله في اليهود.
ثم قال الله-عز وجل-: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (١٤) [المائدة: ١٤] أي بالتوحيد، فثلثوا، كما سبق من مذهبهم، وهذا عام مطرد في النصارى.
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ اِبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١٧) [المائدة: ١٧] هذا عام مطرد.
واعلم أنهم قرروا هذه الدعوى بأن قالوا: كلمة الله-عز وجل-حلت في هيكل المسيح، وكلمة الله لا تنفك عن ذات الله؛ فهيكل المسيح لا ينفك عن ذات الله بواسطة الكلمة الحالة. قالوا: ولا نعني بكون المسيح هو الله، والله هو المسيح إلا أن ذاته لا تنفك عن ذاته بطريق الحلول، وقد سبق بطلان هذه المقدمات.
وأجاب الله-عز وجل-عن دعواهم هذه بقوله-عز وجل: ﴿فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ﴾


الصفحة التالية
Icon