﴿فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾ (٣١) [المائدة: ٣١] إن كان هذا الغراب ملكا كما قيل، فلا عجب، وإن كان غرابا حقيقيا فطالما أرشد الله-عز وجل-الإنسان ببعض الحيوان؛ فهذا جالينوس الحكيم إنما استفاد الحقنة من طائر في البحر؛ إذا أصابه تخمة زج بمنقاره من ماء البحر في دبره فيستطلق فيبرأ.
واستفادوا أن الرازيانج فيه جلاء للبصر من الحية؛ إذا طال مقامها في الشتاء تحت الأرض أظلم بصرها، فتخرج إذا خرجت على الفور إلى الرازيانج الأخضر فتفتح عينها فيه، وتجل به بصرها؛ فيزول عنها، وهذا النوع كثير في أسرار الحيوان، وقد أعطى الله-عز وجل-كل شيء خلقه ثم هدى؛ فإرشاد ابن آدم إلى دفن أخيه بالغراب من هذا الباب.
﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ (٣٢) [المائدة: ٣٢] اعلم أن العلة الشرعية تارة تستفاد من النص عليها، وتارة بالإيماء إليها، وتارة بالسير والتقسيم، وتارة بالدوران بالنص كما في هذه الآية، وبها يستشهد في ذلك نحو. فعلت كذا لكذا، أو من أجل كذا، أو لعلة كذا، ونحوه. وباقي الأقسام تشير إلى ما نمر به منه إن شاء الله، عز وجل.
﴿وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (٣٨) [المائدة: ٣٨] يحتج بها القدرية في أن أفعال العباد مخلوقة لهم، وإلا لكان قطع السارق عقوبة له على خلق غيره، وذلك جور.
وأجيب بأن قطعه على كسبه، كما صرحت به الآية، ولا يلزم من كون الفعل كسبا له أن يكون مخلوقا له.