مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥) [البقرة: ٢٥٥] على معنى معلومة، ونحو: ﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ (١٦٦) [النساء: ١٦٦] على معنى أنزله وهو يعلمه، وأما هذه الآية، ونحوها فلا يمكنهم تأويلها بذلك إذ لا يصح أن يقال: وسع ربي كل شيء معلوما ولا: وهو يعلم، ولا: وسع ربي كل شيء ذاتا، ولا حالا؛ فتعين إثبات العلم هاهنا معنى قائما بذاته، إذ التقدير: وسع علم ربي كل شيء، كما يقال: طاب زيد نفسا، أي: طابت نفس زيد، وتفقأ الكبش شحما أي تفقأ شحم الكبش، فهذه الآية ونحوها قوية في هذه الآية.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (٨٢) [الأنعام: ٨٢] وقد وردت السّنّة بتفسير الظلم هاهنا بالشرك استدلالا بقول لقمان:
﴿وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (١٣) [لقمان: ١٣] فعلى هذا لا حجة فيه للمعتزلة، وإن حمل الظلم على ظاهره العام، أمكنهم أن يحتجوا به على أن صاحب الكبيرة مخلد في النار، إذا لم يتب منها، إذ يكون مفهوم الآية: أن من آمن وخلط إيمانه بظلم ما؛ فليس له أمن، ولا هو مهتد، وهو ظاهر في دعواهم إن لم يكن قاطعا م [٨٠/أم].
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ (٨٣) [الأنعام: ٨٣] هذه الحجة المشار إليها، إما استدلاله المتقدم على عدم ربوبية النجوم، أو حجة أخرى على التوحيد؛ لأن قومه كانوا صابئة مشركين، وهما إنما كان يناظرهم على التوحيد؛ واحتجاجه عليهم إنما كان بدليل العقل، إذ لم يكن هناك سمع يلزمهم، وأدلة العقل هي الطريقة الكلامية، وفي هذا شرف عظيم للكلام وأهله، إذ جعل الله الكلام حجة له أضافها إليه، وجعل صدورها عنه بقوله-عز وجل- ﴿نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ﴾ [الأنعام: ٨٣] فيه إشارة إلى ارتفاع درجة المتكلمين عند الله-عز وجل-كما رفع درجة إبراهيم على قومه بالحجة البالغة الغالبة.