يكن كذلك لجاز أن تكون تلك الصورة الخاصة غير مراده من العام، فلا ينتقض بها.
وقد اختلف في أن العام نص في أفراده، أم لا؟
على قولين؛ أحدهما: هو نص فيها لما ذكرناه.
والثاني: ليس نصا فيها وإلا كان تخصيص العام نسخا للقدر المخصوص منه، إذ هو رفع للحكم في المنصوص عليه.
ويحتمل أن يكون نصا في أفراده في النفي دون الإثبات لاعتضاد العام المنفي بالنفي الأصلي دون المثبت، فإذا قيل: لا رجل في الدار [أو: ما في الدار] من رجل، كان نصا في نفي كل رجل فينتقض بزيد إذا كان فيها، لأن النفي اللفظي اعتضد بالنفي الأصلي؛ فحصل منها النص على نفي كل فرد بخلاف قولنا: الرجال في الدار؛ إذ هو إثبات فلم يوافقه النفي الأصلي، فلم يحصل التعاضد على النص على كل فرد، فلا ينتقض بزيد إذا لم يكن فيها، وهذا بحث جيد بادئ الرأي، وعند النظر فيه لا يخلو من كلام.
﴿وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ﴾ / [٨١ أ/م] [الأنعام: ٩١] الكلام في عمومه كما في ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ (١١٣) / [١٧٢/ل]) [النساء: ١١٣] وقد سبق.
﴿قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (٩١) [الأنعام: ٩١] أي قل: أنزله الله ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ يعني المنكرين ﴿فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: ٩١] ويستشهد به الصوفية، وأهل السلوك على الانقطاع عن الناس بالقلب أو القالب أو بهما؛ فيقولون: ﴿قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ.﴾
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ (٩٤) [الأنعام: ٩٤] هذا يحتمل أن يقال لهم يوم القيامة؛ فيكون ﴿ما خَوَّلْناكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] عاما مطردا، ويحتمل أنه عقيب الموت فيكون مخصوصا بما يصحب أحدهم من الكفن من جملة من خوله.


الصفحة التالية
Icon