إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ (١١) [الأعراف: ١١] يحتمل أن الخلق والتصوير لآدم، وأضيفا إلى المخاطبين لتضمن صلب آدم لهم، فالترتيب والتراخي يتم على أصله، ويحتمل أنهما للمخاطبين فيكون الجواب على نحو ما مر في ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾ (٤) [الأعراف: ٤] أي خلقناكم في علمنا، أو أردنا خلقكم ثم قلنا أو قلنا ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾ (٣٤) [البقرة: ٣٤] ثم خلقناكم.
﴿قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (١٢) [الأعراف: ١٢] فيه اقتضاء الأمر الوجوب والفور لأنه لامه على تأخير السجود عن وقت أمره به؛ لأن «إذ» للوقت تقديره: ما منعك أن تسجد وقت أمري لك بالسجود، وفيهما خلاف، و «لا» في «أن لا تسجد» زائدة، وإلا لاقتضى أن إبليس سجد ثم ليم على السجود الذي هو طاعة، وأنه محال، ونظيره في زيادة «لا» قول الراجز:
فما ألوم البيض أن لا تسخرا … لما رأين الشمط القفندرا
أي أن تسخر.
﴿قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (١٢) [الأعراف: ١٢] تضمن هذا من إبليس مخالفة وعنادا واستكبارا واعتراضا وقدحا في الحكمة وجهلا بالحقائق وغلطا في الفلسفة؛ لأن النار خفيفة طائشة محرقة شريرة، والطين رزين ثابت متواضع، ولا جرم رجع كل منهما إلى أصله، فإبليس مذموم وآدم مرحوم.
وبالجملة فإبليس استعمل الفلسفة؛ فوقع في السفه، ولو أعطى الفلسفة حقها؛ لأعطى الطاعة مستحقها.
﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ (١٣) [الأعراف: ١٣] الضمير إما للسماء أو للجنة وعلى التقديرين يدل على أن الجنة دار تواضع وأدب لا كبر فيها، وعلى القول بأن الضمير للجنة، وهو الظاهر يقتضي ظاهرا:
أن آدم ومن سجد له وإبليس جميعا كانوا في تلك الحال في الجنة، فما امتنع إبليس من الطاعة على الفور، عوقب بالخروج من الجنة على الفور.


الصفحة التالية
Icon