به الجمهور على أن الهادي والمضل والمغوي هو الله-عز وجل-/ [٨٥ ب/م]؛ لأنه أقر إبليس على نسبة الإغواء إليه، ولولا أن/ [١٨٢/ل] الأمر كذلك لما أقره بل كان يقول له: ويحك أمعصية وبهتا؛ أتعصيني وتبهتني؟ ! فلما أقره على ذلك دل على صحته.
والجمهور إذا تمسكوا بهذا قال لهم المعتزلة: أنتم تلاميذ إبليس، تشنيعا عليهم، وليس احتجاج الجمهور بقول إبليس، وإنما هو بإقرار الله-عز وجل-عليه.
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ﴾ (٢٠) [الأعراف: ٢٠] أي وسوس لهما ليعصيا؛ فتبدو سوآتهما، فذكر الغاية البعدى لاستلزامها القربى، إذا كانت أثرا لهما.
﴿وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠] أي لئلا تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين. يحتج بهذا من يرى الملائكة أفضل من البشر حتى آدم.
وتقريره أن هذا يدل على أن ذلك كان مشهورا متقررا عند آدم وحواء حتى جعله إبليس سببا لإغرائهما واستذلالهما، وإلا لما قبلاه منه مسارعين إليه، وأيضا لما أقدما على المخالفة حرصا على رتبة الملائكة دل على ما قلناه؛ لأن العاقل إنما يحصر على ما يعتقده كمالا له، وأيضا [لما قرن كونهما ملكين بكونهما من الخالدين، دل على أن الملك أفضل من البشر] كما أن الخالد أفضل من الزائل.
﴿فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (٢٢) [الأعراف: ٢٢] يحتج به مثبتو الحرف والصوت في كلام الله- عز وجل-أعني نفس تكلمه؛ لأن النداء لا يعقل إلا كذلك، ومثله: ﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى﴾ ونحوه.
وأجاب الآخرون بأنه ناداهما بواسطة [الملك: أو سمى إفهامهما] بكلامه الذاتي نداء بجامع الإفهام.