(٣٦) [الأعراف: ٣٦] لم يشترط مع الكفر نفي العمل الصالح كما اشترط مع الإيمان وجوده، والفرق أن العمل الصالح لا يتصور مع الكفر، إذ الكفر مانع من وجوده فلم يحتج إلى اشتراط نفيه؛ لأنه منفي لوجود مانعه أو انتفاء شرطه، وهو الإيمان بخلاف الإيمان، فإن انتفاء العمل الصالح يصح معه؛ فلذلك اشترط وجوده في تمام الجزاء عليه.
وهذا يقتضي أن الكفر في بابه أعظم من الإيمان في بابه، وكذلك النواهي والمعاصي أعظم من الأوامر والطاعات في بابها، وسبب ذلك، عظمة الجناب الإلهي عن الجرأة عليه بالمعاصي واستغناؤه عن الطاعات فالمعاصي تغضبه، والطاعات لا تنفعه إنما هي إحسان من المطيع إلى نفسه، ألا ترى أن السلطان إذا خرج عن طاعته خارجي جهز إليه العساكر، وقام له وقعد، ولو أهدى له ملك الأرض لم يحتفل له بعض ذلك الاحتفال.
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾ (٣٧) [الأعراف: ٣٧] يحتمل أن المراد نصيبهم من الشقاوة السابقة [لهم في الكتاب] ويحتمل أن المراد نصيبهم من الرزق المقسوم لهم في الكتاب، ويحتمل إرادة الأمرين، والنكتة المقصودة قوله-عز وجل-: ﴿يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٧] ولم يقل ينالون نصيبهم، إشارة إلى أن ما سبق في الكتاب من شقاوة وسعادة ورزق هو أشد طلبا للإنسان حتى يناله من الإنسان له حتى يدركه، ولو لم يكن لأهل التفويض والتوكل غير هذه لكفتهم إذا فهموها.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاِسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ (٤٠) [الأعراف: ٤٠] يعني لأرواحهم عقيب الموت/ [١٨٧/ل] بل ترد فتخر من السماء تهوي بها الريح في مكان سحيق أي بعيد، وهو سجين بخلاف المؤمنين، فإن أبواب السماء تفتح لأرواحهم حتى تنتهي إلى العرش إكراما لها ثم تعاد إلى القبر للسؤال.
وتفصيل هذا في حديث البراء بن عازب، وهذه من متعلقات اليوم الآخر.
﴿حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾ [الأعراف: ٤٠] هو من باب تعليق الشيء المحال، نحو حتى يعود اللبن في الضرع، حتى يشيب الغراب ويبيض القار.