فلعطفه عليه في هذه الآية والعطف يقتضي التغاير، وأجاب الخصم بأن الأمر مشترك بين القرآن وغيره. ولا نسلم أن المراد به هاهنا القرآن سلمناه، لكن لا نسلم أن الأمر غير الخلق، وعطفه عليه ليس عطف تغاير، بل عطف خاص على عام.
﴿اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (٥٥) [الأعراف: ٥٥] تنبيه على عظمته التي يستحق بها ضراعة غير له.
﴿وَخُفْيَةً﴾ تنبيه على قربه الذي لا يحتاج معه إلى أن يجهر له، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا قريبا، إنه أقرب/ [١٩١، ل] إلى أحدكم من عنق راحلته».
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَاُدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٥٦) [الأعراف: ٥٦] إن كانت الرحمة صفة فعل فهي قريبة بذاتها، وإن كانت صفة ذات، فالقرب أثرها [أو ذاتها على رأي من يرى أن الله-عز وجل- بذاته في كل مكان، أو على رأي الاتحادية؛ لأنها حينئذ لا تفارق الذات؛ فلا يمكن قربها بذاتها إلا على رأي هؤلاء].
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (٥٧) [الأعراف: ٥٧] هذه من أدلة المعاد؛ قياسا على إحياء الأرض بالمطر والنبات، وقد صرح بالقياس؛ فقال-عز وجل-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (٥٧) [الأعراف: ٥٧] أي كإخراج الثمرات بالمطر من الأرض الميتة يخرج الموتى من الأرض، وتوجيه القياس أن حب الثمار مفرق في الأرض كأجزاء الموتى، وهي الجواهر المفردة المنحلة إليها الأجسام، ثم إنه-عز وجل-يجمع ذلك الحب ويحييه حتى يخرج زرعا وثمرا نافعا، وكذلك يجمع أجزاء الموتى من الأرض، ويحييها حتى يخرج بشرا سويا، [والجامع إمكانهما]، ودخول الممكن تحت المقدورية.


الصفحة التالية
Icon