أما الأولى/ [٢١٩/ل] فلقوله عز وجل في سورة الحشر في صفة المهاجرين:
﴿لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ (٨) [الحشر: ٨].
وأما الثانية/فلهذه الآية.
واعترض على هذا الاستدلال بوجوه: أحدها: لا نسلم أن الصدق وصف خاص بالمهاجرين، بل هو وصف عام للصحابة وغيرهم من أهل التقوى: إذ كل متق صادق، لقوله- عز وجل-: ﴿*لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَاِبْنَ السَّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ﴾ [البقرة: ١٧٧].
فذكر خصال التقوى، ثم قال: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧]. وقال-عز وجل-: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (٢٣) [الأحزاب:
٢٣] وكان أكثرهم من الأنصار يوم أحد.
الوجه الثاني: أن المأمور بالكون مع الصادقين هم عموم الذين آمنوا من المهاجرين والأنصار، فلو صح الاستدلال المذكور للزم إما اختصاص الأنصار بالإيمان دون المهاجرين أو أمر المهاجرين بأن يكونوا مع أنفسهم، وكلاهما محال.
والوجه الثالث: / [١٠٢ أ/م] لا نسلم أن الكون مع الصادقين يقتضي متبوعيتهم، ولا تبعية الكائن معهم، بل هما سواء.
﴿* وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (١٢٢) [التوبة:
١٢٢] يحتج بها على أمور أحدها: قبول خبر الواحد؛ لأن الطائفة تصدق على الواحد، وقد جعل منذرا، ووجب الحذر بإخباره، ولولا قبول خبره لما كان كذلك.
واعترض عليه: بأنا لا نسلم بأن الطائفة تصدق على الواحد، سلمناه لكنها تصدق