﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أي عن الرسل/ [٢٥٤/ل] المتقدمين، هل كانوا رجالا أم لا، اسألوا عنهم أهل الكتاب إن أنكرتم أو جهلتم ذلك، فهذا الأمر الخاص هو سبب هذا الكلام.
ثم احتج العلماء بعموم لفظه على جواز تقليد العامي للعالم، وبمفهومه على أن العالم [لا يقلد العالم] وفي هذه أقوال ثالثها: يقلده لنفسه لا لغيره، ورابعها: يقلده إن ضاق الوقت ولم يجد الحكم في حاصله، واستدلالهم بهذه الآية على هذا الحكم بناء على أن النص الوارد على سبب خاص يعتبر عموم لفظه لا خصوص سببه؛ خلافا لمالك في ذلك وفيه عندهم تفصيل، وهو أن اللفظ إن استقل دون سببه اعتبر عمومه، وإن لم يستقل دونه اختص به.
﴿بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٤٤) [النحل: ٤٤] هذا متعلق «بأرسلنا» لا ب «تعلمون» أي: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (٤٣) [النحل: ٤٣] بالبينات أي أرسلناهم ﴿بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٤٤) [النحل: ٤٤]، [هذا متعلق] وليس معناه فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون البينات والزبر، وإنما نبهت على هذا؛ لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي في تعليقته في أصول الفقه تأول الآية على هذا، وعلق الباء ب «تعلمون»، وليس الأمر كذلك، والوجه ما ذكرناه.
﴿بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٤٤) [النحل: ٤٤] أي: كما أرسلنا الرسل قبلك بالبينات والزبر أرسلناك بالقرآن.
وأنزلناه إليك ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وفي هذا مسائل:
الأولى: أن في الكتاب ما يحتاج إلى البيان، وإلا لم يكن للتعليل المذكور وبيان الرسول -عليه الصلاة والسّلام-فائدة.
الثانية: جواز التكلم بالمجمل لاستلزام الحاجة إلى [بيان ذلك].
الثالثة: ما نزل إليهم، إن كانت «ما» نكرة موصوفة، فالتقدير: لتبين للناس شيئا أو