[وعلى هذا فربما احتج به الاتحادية على أنه سار/ [١٢٥ أ/م] بذاته في كل شيء، وأنه يسبح نفسه منها.
وجوابه أن ذلك يقتضي اتحاده بها أو حلوله فيها، وهو محال على ما تبرهن في الكلام والحكمة، ويحتج ب‍ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (٤٤) [الإسراء: ٤٤] ونحوه على أن الفقه لغة الفهم، وقد قيل: هو العلم كما مر في مقدمة الكتاب].
[قوله تعالى] ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾ (٤٥) [الإسراء: ٤٥] قيل: ساترا، فلا يرونك ليؤذوك إذا أرادوا، وقيل: مستورا عن أعين الناظرين، وهو إما خلق الصوارف [في قلوبهم عنك، أو ملائكة يسترونك عنهم كما ستره ملك عن أم جميل امرأة أبي لهب حين جاءته وهو في المسجد لتؤذيه.
﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً﴾ (٤٦) [الإسراء: ٤٦] هذه الأكنة والوقر في آذانهم إما حسية، أو عقلية بخلق الصوارف] عن اتباع القرآن كما مر في ختم الله على قلوبهم.
﴿وَقالُوا أَإِذا كُنّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (٤٩) [الإسراء: ٤٩] تضمنت إنكارهم للبعث بشبهتهم السابقة في سورة النحل.
﴿أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾ (٥١)
[الإسراء: ٥١] هذا جوابهم عن إنكار البعث بإثباته والاستدلال عليه، بقياس الإعادة على الابتداء أول مرة، بجامع الإمكان والقدرة على كل ممكن فيهما.
﴿أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾ (٥١)
[الإسراء: ٥١] ليس فيه تحديد لوقت قيام الساعة، إذ القريب أمر إضافي فألف سنة قريب بالإضافة إلى عشرة آلاف سنة، وبعيد بالنسبة إلى مائة سنة، ومائة ألف سنة قريب [إلى ألف ألف سنة بعيد بالنسبة إلى] [عشرة آلاف].


الصفحة التالية
Icon