ما أنزل، وأنه لو لم يثبته لركن إليهم، ثم لأصابه العذاب المضاعف وذلك قاطع فيما ذكرنا.
الثالثة: تفاوت الناس في المعصية بحسب مراتبهم، بحيث يستكثر من بعضهم قليلها، لأن الله-عز وجل-أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه لو ركن إليهم شيئا قليلا؛ لأذاقه عذابا مضاعفا.
ولقائل أن يقول: إن ذلك الركون لقليل لو وقع لكان كفرا عظيما، إذ هو افتراء على الله-عز وجل-والكفر العظيم لا يستقل منه شيء.
قوله-عز وجل-: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ (٨٥) [الإسراء: ٨٥] يحتج به من يرى قدم الروح، وقرروه بأن الروح من أمر الله، وأمر الله قديم، فالروح قديم.
أما الأولى فلصريح هذه الآية، وأما الثانية فلما سبق في قوله-عز وجل-: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ (٥٤) [الأعراف: ٥٤] وأجيب عنه بأن الأمر مشترك بين الكلام والفعل والخلق وغيرها، فهو مجمل، ويكفي ذلك في سقوط الاستدلال به، ثم إنا نقول: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ (٨٥) [الإسراء: ٨٥] أي من خلقه، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، وكانت روح عيسى في تلك الأرواح» (١) وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (٢) والجنود المجندة ليست قديمة، ولأنه قد سبق الدليل على جسمية الروح ولا شيء من الجسم بقديم؛ ولأنها لو كانت قديمة لزم القول بالحلول أو الاتحاد وتعدد القديم، وكل ذلك محال، وإنما قيل: الروح من أمر ربي هكذا/ [١٢٧ ب/م] مجملا؛ لأن اليهود سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الروح سؤال تعجيز