أحدها قوله: ﴿قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (١٢) [الأعراف: ١٢] مع قوله-عز وجل- ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ﴾ (٢٧) [الحجر: ٢٧]، ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ﴾ (١٥) [الرحمن: ١٥] مع قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خلقت الملائكة من نور» (١) وهذا يقتضي أنه من الجن الناريين، لا من الملائكة النوريين: [٢٧٨/ل].
الثاني: أن إبليس له ذرية بدليل ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً﴾ (٥٠) [الكهف: ٥٠] والملائكة لا ذرية لهم، فإبليس ليس من الملائكة، والقول بأنه منهم لكنه لما أبليس تجدد له النسل؛ ضعيف.
الثالث: أن قوله-عز وجل-: ﴿كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ﴾ شبيه بالتعليل لفسقه بكون من الجن، من باب اقتران الحكم بالوصف المناسب، وهو يقتضي أن الفسق غالب على الجن أو كثير جدا/ [١٣١ أ/م] حتى كأنهم علة مناسبة لوجوده، وليس أحد من الملائكة كذلك.
الرابع: قول الملائكة: ﴿قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ (٤١) [سبأ: ٤١] يقتضي أن الجن غير جنس الملائكة، وإلا لكانوا قد أحالوا بالذنب على أنفسهم، وهو خلف من الاعتذار.
الخامس: أن الجن عند إطلاقهم يبادر الذهن إلى غير الملائكة، وهم الجن الناريون، وهو دليل الحقيقة المرادة.
﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً﴾ (٥٣) [الكهف: ٥٣] أي: علموا وتيقنوا، وهو من استعمال الظن في موضع اليقين بقرينة.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ (٥٤) [الكهف: ٥٤] هذا ذم للجدل لا مطلقا، بل إذا عاند الحق؛ لأن الكافر ضرب له أمثال الحق، ونظمت له براهين الصدق، فعاند وجادل بالباطل ليدحض به الحق ﴿يُجادِلُونَكَ فِي﴾


الصفحة التالية
Icon