﴿الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ (٦) [الأنفال: ٦].
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾ (٥٧) [الكهف: ٥٧] سبق نظيرها في (سبحان).
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾ (٥٧) [الكهف: ٥٧] لما صرفوا به عن اتباع الحق، مما خلق في قلوبهم من دواعي الضلال والصوارف عن الهدى.
﴿قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ (٦٣) [الكهف: ٦٣] يعني الحوت، ﴿قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً﴾ (٦٤) [الكهف: ٦٤] يستدل به على كون العلة الشرعية عدمية بطريق أولى؛ إذ كان ذهاب الحوت وانعدامه من حيث فقدانه علامة على وجود الخضر الذي طلباه.
﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً﴾ (٦٥) [الكهف: ٦٥] أي: من عندنا، وهذا هو متعلق الصوفية وأهل السلوك في إثبات العلم اللدني، نسبة إلى ﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً﴾ (٦٥) [الكهف: ٦٥] وهو إلهام المعرفة بالحقائق الغيبية وغيرها، ثم إن العلم اللدني إذا تقدمها استعداد بالعلوم النظرية أقوى مما إذا ورد على النفس غير مستعدة، والخضر- عليه السّلام-كان قد تقدم له استعداد بذلك على ما حكي في قصته ومبدأ أمره، فلهذا كان علمه اللدني عالي الطبقة بحيث صلح به أن يكون معلما لموسى الكليم-عليه السّلام. فإن قيل: سائر علوم الناس من لدن الله-عز وجل-وعنده؛ فما وجه تخصيص بعض العلوم/ [٢٧٩/ل] باللدني؟ قلنا: اللدنية والعندية متفاوتة في مراتب الخصوص، فهذا العلم اللدني خاص، ألا ترى أن السلطان يعطي جنده وحاشيته ورعيته، ويخلع عليهم على مراتبهم من الصوف إلى ثياب الذهب والجميع من عنده وخزانته، فكذلك هاهنا.


الصفحة التالية
Icon