الاختصاص بذلك قد يكون معجزا وكرامة لنبي أو ولي، وقد يكون فتنة واستدراجا كما في السامري، وبلعام الذي قال فيه تعالى: ﴿وَاُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ﴾ (١٧٥) [الأعراف: ١٧٥] فلا ينبغي لأحد أن يغتر بما كوشف به من الأسرار والحقائق لما ذكرنا، بل ينظر في حال نفسه، فإن كان موافقا للشرع رجا خيرا وخشي المكر الخفي، وسوء العاقبة وإن كان مخالفا للشرع، فليحذر وليرتدع وليعلم أنه ممكور به، ثم لا ييأس من اللطف والتدارك/ [١٣٧ أ/م] ﴿يا بَنِيَّ اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ﴾ (٨٧) [يوسف: ٨٧] والذي بصر به السامري هو أن جبريل-عليه السّلام-كان يوم أغرق فرعون وقومه على حجرة تسمى الحياة مهما وطأت شيئا تحرك حيا تحت حافرها، فألهم أن تراب حافرها يفيد الجمادات حياة فلما صاغ العجل، وقد كان أخذ من ذلك التراب شيئا ألقاه عليه فتحرك وخار، وصار عجلا جسدا له خوار، فذلك معنى قوله: ﴿قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ (٩٦) [طه: ٩٦] أي: من أثر حافر فرس الرسول ﴿فَنَبَذْتُها﴾ [طه: ٩٦] أي: على العجل لما صغته ﴿وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ (٩٦) [طه: ٩٦] أي: ألهمت أو خطر لي، فكان ذلك التراب إكسير الحياة (كإكسير) الذهب، ويحتج بهذا أصحاب الكيمياء، لأن الجماد إذا جاز أن ينتقل إلى الحيوان بجوهر يضاف إليه، فانتقاله إلى رتبة أخرى من رتب الجماد بجوهر يضاف إليه أولى بالجواز.
﴿قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَاُنْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾ (٩٧) [طه: ٩٧]، إنما سمى العجل إلها باعتبار اعتقاد السامري وتهكما به، وأحرقه ونسفه في البحر تحقيقا لما سبق من أنه لا يملك ضرا ولا نفعا لنفسه فكيف لغيره؟ ! ويلزم ذلك أنه ليس بإله لما مر.