الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨) [الحج: ١٨] تضمنت سجود الجمادات كالجبال والنبات والشجر، والحيوان كالدواب، والعقلاء كالناس، ومن في السماء والأرض والعلويات كالشمس والقمر والنجوم، ومن في السماوات والسفليات كمن في الأرض والجبال ونحوها. وللسجود مسميان: أحدهما لغوي وهو الذل كقول الشاعر:
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
يعني أن الجبال الصغار تذل لحوافر الخيل حين تصعدها.
والثاني: شرعي وهو وضع الجبهة على الأرض تقربا إلى الله-عز وجل-وعبادة له، والمشهور أن سجود العقلاء بالمعنى الشرعي لتصوره منهم، وسجود غيرهم بالمعنى اللغوي لظهور الذل والتسخير والانقياد للقدرة لتصوره منهما دون الشرعي، ثم يحتج بالآية من أجاز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعا معا؛ لأن قوله-عز وجل-: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ﴾ (١٨) [الحج: ١٨] هو بالنسبة إلى العقلاء شرعي وإلى غيرهم لغوي، وقد استعمل في مفهوميه معا، وكذلك ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (٥٦) [الأحزاب: ٥٦] إذ الصلاة من الله-عز وجل-الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار وقد أريدا من لفظ يصلون.
وأجاب المانع لذلك: بأن التقدير تكرار الفعل أي: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات والأرض، ويسجد له الشمس والقمر والنجوم، ويسجد له الجبال وكذلك باقيها، وكذا: إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون على النبي.