إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١) [النور: ٣١] فيه مسألتان: إحداهما وجوب التوبة على كل مؤمن، لأنها مأمور بها والأمر للوجوب، ولأن المؤمن لكونه غير معصوم لا يخلو من ذنب يوجب التوبة، كيف وإن أكثر أحواله ذنوب إلا من وفق.
الثانية: احتج بها من رأى التوبة من الأعمال الصالحة، وزعم أن ذلك شأن الأبرار والمقربين، وتقرير حجته أن المخاطب بالتوبة هم المؤمنون ولا تتجه توبة المؤمن إلا من العمل الصالح، وهذا ضعيف، وإنما يصح لو كان المؤمن معصوما من المعاصي أما وهو غير معصوم فتتجه توبته من معاص تقع منه، نعم لو احتج بأن الآفات المفسدة للأعمال كالرياء والعجب ونحوهما خفية عن المؤمن غالبة عليه جدا؛ فالظاهر أن عمله لا يسلم منها، ثم إن القسمة العقلية/ [١٤٥ أ/م] تقتضي أن العمل إما أن يقطع بسلامته من المفسدات، أو بفساده بها، أو يتردد فيه بين الأمرين، والعلم بسلامة العمل عزيز نادر أو متعذر في العادة، فصار الغالب في العمل إما القطع بفساده أو التردد فيه، فوجب الاستغفار والتوبة منه بناء على الغالب؛ لأن الطاعة إذا فسدت صارت معصية كالعصير إذا فسد صار خمرا، وصار الجهل بسلامة العمل كالقطع بفساده فتجب التوبة كما قيل في باب الربا: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، فيجب اجتناب المعاملة فيه-لكن هذا تقرير جيد غير خارج عن قواعد الشرع والنظر وهذا المذهب يعزى إلى المحققين من أهل الطريق، ويرجع إلى أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فالعارف المقرب يرى الحسنات بالإضافة إلى غيره سيئات بالإضافة إليه فيتوب منها.
واحتج الآخرون بأن التوبة هي الندم على الفعل والعزم على تركه، والطاعات لا يجوز الندم على فعلها ولا العزم على تركها فالتوبة منها لا تجوز.
والجواب: أن هذا خارج عن محل النزاع، لأن الطاعة التي يقطع بصحتها وسلامتها من مفسد لا تجب التوبة منها، وإنما تجب التوبة من الطاعة لا من حيث هي طاعة، بل من حيث