لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ (١٧) [الأنبياء: ١٧] أي: زوجة نلهو بها لزمه أن يجيز عليه التزوج والنكاح والنسل ونحوه من لوازم الأجسام، وذلك محال باطل بإجماع، وإنما يصح ذلك على رأي الاتحادية الذين يجيزون عليه الظهور في المظاهر الطبيعية، وابن حزم لا يقول ذلك]، وإن قال: إن الولد الذي يقدر على اتخاذه روحاني لا جسماني كالنور مولود للشمس، والحكمة مولودة للعقل، فلا يلزم التجسيم.
قلنا: هذا هو عين مذهب النصارى، فإنهم لما ألزموا ما ألزمت من التجسيم، ادعوا ما ادعيت من الولادة الروحانية، فإن قال: النصارى ادعوا وقوع اتخاذ الولد، وأنا إنما ادعيت القدرة عليه وجوازه؛ قلنا: يلزمك أن مذهب النصارى جائز، وأجمع المسلمون-بل العقلاء- على أنه محال، فقد كنت بدعواك هذه تخالف الشرع، فالآن خالفت الشرع والعقل جميعا، فإن قال: لو لم يقدر على اتخاذ ولد، لكان عاجزا، قلنا: لا يلزم ذلك؛ لأن اتخاذ الولد عليه محال، والمحال لا يدخل تحت المقدورية أي: لا يقبل تأثير القدرة فيه ليكون عدم تأثيرها فيه عجزا فإن تأثير القدرة في الشيء تارة ينتفي لقصورها عنه وتارة لعدم قبول ذلك الشيء لتأثيرها فيه لعدم إمكانه بوجوب أو امتناع، والعجز هو الأول لا الثاني، وإلا لزمك أن/ [١٧٢ ب/م] تجيز عليه جميع المحالات بعلة أنه لو لم يقدر عليها، لكان عاجزا.
[فإن قال: فما معنى قوله: ﴿لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ (٤) [الزمر: ٤] إذن قلنا معناه: لو احتاج إلى ولد لاستغنى عنه بمن يختاره من مخلوقيه، كما لو قيل لرجل: لو تزوجت لجاءك ولد يخدمك؛ فقال: لو أردت ولدا يخدمني أو لو احتجت إلى خدمة الولد، لاشتريت بمالي عبيدا يخدموني.
وهذا التأويل قريب من ظاهرها جدا، وهو خير من اقتحام الشناعة والمحال.
﴿لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ (٤) [الزمر: ٤] أي: تنزه عن اتخاذ الولد وقوعا وجوازا إذ ﴿هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ (٤) [الزمر: ٤] أي: أن حكمة الولد التكثر به من قلة أو الاستعانة/ [٣٥٩ ل] به عن غلبة وانقهار، والله-عز وجل-واحد لا يجوز عليه الكثرة، ولا التكثر؛ قهار لا يلحقه الانقهار، وإذا انتفت حكمة الولد في حقه، وجب انتفاؤه وقوعا وجوازا، إذ ما لا حكمه فيه، لا يجوز وجوده. ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا﴾


الصفحة التالية
Icon