أما قبلها فقوله-عز وجل-: ﴿*فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ﴾ (٣٢) [الزمر: ٣٢] وهو ذم ووعيد عام، ثم قابله بالذي جاء بالصدق وصدق به، وأي صدق وصدق، وهو مقابل لمن كذب وكذب في الآية قبلها، وهو مدح ووعد عام، وأما بعدها، فقوله: ﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٣٤) [الزمر: ٣٣ - ٣٤] الآيات بصيغة الجمع المقتضي للعموم، ولا مقتضى لاختصاصها بأحد الرجلين، إلا عصبية الفريقين، نعم هما داخلان تحت الوعد فيها، ومن أحق الناس بها.
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي اِنْتِقامٍ﴾ (٣٧) [الزمر: ٣٦ - ٣٧] صريح في مذهب الجمهور، وتأوله المعتزلة على أنه يهدي بفعل الألطاف، ويضل بمنعها. وقد سبق القول في ذلك.
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (٣٨) [الزمر: ٣٨] / [١٧٣ ب] هي شبيهة بقول إبراهيم: ﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ (٧٣) [الشعراء: ٧٣] وقول صاحب يس: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ﴾ (٢٣) [يس: ٢٣] وهو استدلال على التوحيد، ونفي إلهية الشركاء بعدم ملكهم التصرف بالضر والنفع أي: هؤلاء لا تصرف لهم، وكل من لا تصرف له؛ فليس بإله، فهؤلاء ليسوا آلهة.