وإن كان من فرق بين كلمة (بكرة) التي اتضح من خلال كلام أهل اللغة أن وقتها هو ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس.. وما راد فها مما وقع في مقابل العشي لكن بلفظ (الإشراق) هو أن الإشراق يكون عند من التزم جعل أول النهار من طلوع الشمس، إذ هو بهذا حقيقة فيه، ولذا قالوا في تفسير قول الله تعالى في حق داود عليه السلام: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق.. ص/١٨) يعنى حين تشرق الشمس أي تضيئ ويصفو شعاعها، "يقال شرقت الشمس شروقاً: طلعت، وأشرقت: أضاءت" (١)، "وأشرق القوم: دخلوا في وقت الشروق" (٢)، "وأشرق الرجل: أي دخل في شروق الشمس، وفي التنزيل: (فأخذتهم الصيحة مشرقين.. الحجر/٧٣) أي مصبحين، (فأتبعوهم مشرقين.. الشعراء/٦٠) أي لحقوهم وقت دخولهم في شروق الشمس وهو طلوعها" (٣).
مدلولات الغداة والعشي وما في معناهما بين الحقيقة والمجاز:
والذي ينعم النظر في تتبع مقولات أهل التأويل من المفسرين والمشغولين بالدراسات القرآنية في معنى ما جاء في طرفي النهار، يلحظ أنهم لا يقصرون مدلولي الغداة والعشي على وقتيهما المعلومين والمخصصين لهما عند أهل اللغة على جهة الحقيقة، أعنى من الفجر إلى طلوع الشمس ومن العصر إلى انتهاء النهار.. بل إنهم يتوسعون فيهما ليمتدا لديهم وليشملا سائر ساعات الليل والنهار، وما ذلك إلا حملاًَ لمعنى الأمر بالتسبيح بالغداة والعشيّ على معنى المداومة وفقاً لمدلولات النصوص وسياقات الآيات المُومِئَة إلى ذلك.

(١) تمييز ذوي البصائر ٣/٣١١.
(٢) اللسان ٤/٢٢٤٥.
(٣) السابق.


الصفحة التالية
Icon